رؤية استكشافية في كتاب أحمد الأغبري

كتب : (ابوسام محمد / شاهد برس ) في أخبار-

شاهد برس : د.أحمد الفلاحي- السويد

على مدى يومين كاملين وتحت إضاءة قلم الكاتب الصحفي أحمد الأغبري، وقفت أمام لوحة فنية لليمن تتجلى فيها تفاصيله وثقافته وشعبه، أنها رحلة مجانية إلى اليمن جعلتني أرى الأماكن والناس بعين أخرى أو رؤية أخرى غير التي كنت أراها سابقا. والأجمل أن تكون بعيدا عن وطنك وتأتيك بانوراما وسلسلة من المشاهد والانتقالات داخل بلدك وأنت أمام أوراق كتاب.

أحمد الأغبري يجتاز حدود الزمن والمكان يجعلك تخوض رحلة فريدة إلى دواخل اليمن. من خلال كتابه "اليمن من الداخل"، العنوان جعلني استحضر كتاب اليمن من الباب الخلفي للألماني هانز هولفريتز ورحلته إلى اليمن دون إذن الإمام فتسلل من الصحراء اليمنية، وصف هانز الوضع السياسي في اليمن خلال تلك الفترة، وتحدث عن شخصية الإمام يحيى. لكن الأغبري يقدم لنا نافذة إلى عالم يمتزج فيه الجمال بالواقعية، ويتناغم التاريخ مع الجغرافيا. "اليمن من الداخل" يفتتحه الأغبري بمقدمة تؤكد أهمية التفكير في الجمال الأصلي ومكامنه الحقيقية في اليمن وإزاحة الستار عنه دون التركيز على الجوانب السلبية أو التشويه. في الكتاب تستشف أحمد الأغبري وهو يقدم نفسه صحفيا وناقدا ثقافيا مهتما بالأسئلة والاستفهامات، بحيث يعكس رؤيته المميزة للعالم من حوله ناهيك عن الأسلوب الأدبي المتجذر في أدب الرحلات الذي اعتمده الأغبري في كتابة.

الجمال والتشويه

يبدأ الكتاب بعد المقدمة بتسليط الضوء على الجمال باعتباره عنصرا أساسيا في الكتابة وفي اليمن، إذ يظهر الأغبري ماهية الجمال وكيف أنه ليس مجرد سمة سطحية وإنما هو جوهري في فهم الواقع، كما يسترسل الكتاب ليشير بأن التشويه هو نتيجة طارئة عكسته الظروف البائسة والتحديات التي يواجهها اليمن وأن هذه التشويهات ليست جزءا من الطبيعة الأساسية لليمن.

استكشاف جغرافي وثقافي

اليمن من الداخل، يقدم رحلة استكشافية داخل اليمن فهو يستعرض المعالم الجغرافية والثقافية "للبلاد"، إذ يُظهر الكتاب اليمن مكانا ذا جمال طبيعي مدهش وتنوع ثقافي غني. ولأن الكاتب يتمتع بأسلوب أدبي بجانب أسلوبه الصحفي فنجده في كتابه يجذب القارئ ويجعله يتخيل الأماكن ويعيش تفاصيلها حتى أنني في بعض الأماكن أكاد أشم رائحتها.

الأسئلة والإجابات

في الكتاب يقدم الأغبري سلسلة من الأسئلة التي تدفعنا إلى التفكير والتأمل، تكاد تكون لحظات وجودية وفلسفية عندما يسبر أغوار المكان والناس. إنه يعمد الى الاستفهامات كوسيلة لاستكشاف العمق والتواصل مع الحقائق وأزعم ان هذا الأسلوب يجعلنا نرى اليمن من منظور مختلف، إذ تجد الكاتب يجسد لنا الكيفية في ارتباط الأماكن بالذاكرة والهوية اليمنية.

الجمال والتاريخ

الكتاب يشدد على أهمية الجمال باعتباره عنصرا أساسيا في اليمن وكيف يجب الاحتفاظ به والكشف عنه، كما يُلقي الضوء على التاريخ الغني لبلدنا ودور الإنسان في تشكيل معالمها.

المفردات والألوان وتقنية الكتابة

يتميز الكتاب بلغة دقيقة ومتقنة فالكاتب يستخدم الكلمات بعناية لينقل الألوان والأصوات والروائح بشكل واقعي مما يضيف دهشة وعمقاً إضافياً لتجربة القارئ.

من الملاحظ أن الكتاب يبرز المهارات الكتابية الاحترافية للأغبري، حيث يعتمد على تقنياته الصحفية والإعلامية للتعبير عن رؤيته واستفهاماته. يمزج الكاتب بين أسلوبه الصحفي والادبي فيدمج الواقع والخيال ببراعة وهذا يعزز قيمة الكتاب  ويثري تجربة القراءة.

التواصل مع القراء

يتيح الكتاب للقارئ التواصل مع رؤية الأغبري لليمن وطريقة تقديمها للقارئ والاستمتاع بالإبداع الصحفي وأدب الرحلات الذي يتضمنه فهو يدعو القارئ إلى التفكير والتأمل في جماليات اليمن وتعمق ثقافته.

الختام

على امتداد نواصيه الخمس وابتداء من إب ضحكة الطبيعة من جهة المدينة مرورا بجهة القرية كناصبة ثانية: بيت بوس، وحيد الجزيل،  انها لوحات ومشاهد تعبر بالقارىء فيتفيأ ظلال وعبق التاريخ وأنسنة المكان. يستمر الاغبري بالعبور الى ناصيته الثالثة جهة المدرسة والقصر يمر بنا في دهاليز المدرسة العامرية وقصر سيؤون ثم يعرج بنا الى دار الحجر. لم يكتف الكاتب بالامكنة المؤهولة بل يسافر بنا الى عمق الطبيعية بناصيته الرابعة جهة الجزر والمحميات، انها الطبيعة البكر سقطرى وانسانها ومحمية عتمة. ثم ما يلبث أن يعود أدراجه كناصية أخيرة ليحط رحاله في جهة الشارع منتهى الملتقى شارع المطاعم. ذلك العمل الإبداعي يتجلى في كتاب الأغبري كما يظهر الالتزام بالمحتوى الصحفي الجاد. أستطاع الكاتب أن يأخذنا في رحلة تأملية وتاريخية فتحت أمامنا نوافذ لم نكن نعلم بوجودها. الكتاب أثبت لنا أن الجمال ليس مجرد سطح بل هو عمق يمتد إلى أعماق الثقافة والتاريخ.وفي نهاية الرحلة، يظل القارئ واقفاً أمام نواصيه ، حاملاً في قلبه مشاهد وتأملات من دواخل اليمن. كتاب "اليمن من الداخل" يترك بصمات تعكس الجمال والعمق في تفاصيل هذا البلد الساحر.

 

تابعنا